صفعة قدر! / الكاتبة أميمة يوسف

خالتو! !! To be old
في طريق عودتي من المدرسة،  وأثناء سيري في الشارع المؤدي الى بيتي وكثير من الحكايا القديمة تلتمع بمخيلتي كأنها وليدة اللحظة،  يغريني بعضها بالابتسام،  ويثير حنقي بعضها الآخر،  وعلى بعد خطوات من مضارب مملكتي،  استوقفني شاب في مقتبل العمر مناديا بأدب :
( خالتو ) ممكن لحظة؟
التفت حولي لأرى إن كان يخاطب غيري،  لكن قفر المكان وخلوه الا من بعض الأطفال الذين صادقوا شمس الظهيرة الحارقة،  وأخذوا منها موثقا وأيمانا مغلظة أن تترأف بطفولتهم وشغفهم باللعب فلا تؤذيهم،  جعلني أدرك أنني المقصودة! ! (يا فرحتي)
قلت بحدة : خير؟  تفضل
- انا مندوب دار نشر،  ومعي قصص أطفال 3D جودتها عالية (خالتو) وتربوية وهادفة جدا،  بتحبي أفرجيكي عينة؟
- هات لنشوف
وطبعا بوصفه مندوب مبيعات،  لم يصمت للحظة واحدة طوال فترة تأملي القصة،  ظل منهمكا في وصف مزايا التأليف والطباعة والاخراج،  يتخلل فواصل حديثه بين الجملة والتي تليها،  ذلك النداء أبتر الأداة،  منصوب المنادى (خالتو) ، يردده ببراءة استرعاء لانتباهي و (حنقي) ..
تريثت مليا حتى أنهى كلامه،  ثم رمقته بنظرة حادة وسألته :
انت اللي صارلك ساعة بتناديني خالتو،  ممكن اعرف كم عمرك؟
أجاب بشيء من الخجل والارتباك :
عشرين،  انا طالب في جامعة ...
لم أسمع تتمة حديثه، ىفلقد القاني الرقم عشرين بين مد الحيرة وجزر الفزع ..
فكرت بتعقل :
يعني ال 17 سنة اللي بينا مساحة شاسعة يحتاج هذا الشاب المسكين لكي يجتازها ان يمتطي صهوة الأدب واللباقة . يحق له إذن ان يناديني (خالتو) والحمد لله انها وقفت على (خالتو) !!
ولا أخفيكم .. لأول مرة في تقويم العمر يصفعني القدر بكف الكبر،  لأشعر بثقل السنوات التي دفعتني قهرا لمشارف الهرم!
في تلك اللحظة ودونما تخطيط،  صرت أدندن في حنايا الروح أنغام فيروز :
طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان
بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران ..
لم أواجه صعوبة في استعادة توازني،  فلقد بلغت من العمر ما يجعلني ناضجة كفاية لأسيطر على انفعالاتي ..
خاطبته لأخفف مرارة ارتباكه :
وعلى اعتبار اني بمقام خالتك يا (خالتو) ، كم رح تحسبلي القصة ؟
اشتريت ما راق لي والشاب غارق في ذهوله وارتباكه،  ثم حثثت خطاي الى البيت وأنا أردد قول زهير :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ..
( ثلاثين) حولا لا أبا لك يسأم! !

كان معكم من قلب الصدمة : خالتو أميمة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نواعير الشّوق / روضة بوسليمي / تونس

عمقك وطن / الكاتبة امل الخليفة