بلا اسم.. / الكاتبة فائزة جوادي /تونس 🇹🇳
بلا إسم...
لم تمتلك دمية لتطلق عليها إسما، كان سقف أحلامها الشاهق أن تشتري دمية شقراء، يكون ثغرها ورديا كحبة الفراولة، شعرها منساب كجدائل الشمس في صباح صيفي، فستانها زهر الأقحوان و البابونج، ثم حذاء بلون الجلنار و كعب عال.
تحضنها حتى تذيب ثلج قلبها المتكوم أكداسا، ترافقها منذ إطلالة النور، مشاركة افتراضية لقطع الحلوى و الشوكولا حتى يضنيها الكرى لتستسلم إليه وهي لا تفارقها لتنام بين ذراعيها و بين غيمات حلمها المشتهى.
الأعواد التي جمعتها أمها لتصنع منها لعبتها المدللة كانت تشتد لينا كلما قبلتها أو زودتها بفيض حنان الأمومة، خاطت لها من خرقة بالية فستانا ترابيا يشبه فزاعة الحقل، لكن عيناها رأتها فاتنة أنيقة، فهما تعودتا على تلوين السواد بفرشاة أمل، استحالت الأخشاب و الخرقة القبيحة إلى رفيقة العمر.
كانت تلك الطفلة التي لم يشوه الفقر و لا الخصاصة براءة الملائكة فيها تفضي إلى ذلك الكائن المخشوشب بكل جراب حديثها الحميمي، ترسم مع رفيقة دربها أحلاما تودعها الغيمات لعل ريحا يرغم السحب بهطولها ذات يوم، ترميها باستفهامتها المتناسلة في خيالها الخصب، ثم تجيب على لسانها بما يوافق ميولاتها و أحيانا بما يتعارض مع فكرها البرعمي لتناقشها و تفسر لها كما تفعل أمها تماما، تقمعها حين يستعصى على عقلها التحليل و الدليل، فتتوعدها بالترك و الإهمال لكن طيبتها البيضاء تغلبها فتبكي معها و تراضيها بأهازيج حفظتها عن والدتها.
نما حلم الطفلة فيها و استطال كغصن باحث عن نور الشمس ليتزود بالفليور حتى يكتسب لون المرور إلى الواقع، اشترت دمية باربي بلون وردي مغر كالشهد، هيفاء، قدها المياس، شعرها الذهبي المنساب على كتفيها، صوتها يردد أغنية تنشز عن لحن سمعته أيام الدمية الخشبية، تهتز للأنغام و تتلوى على وقعها، تلطمها لتكف عن ذلك الفعل المشوش لصمتها، سكون قاهر يجبرها على احتضان دمية في حضور رحم عقيم.
لم تعلم يوما أن الدمية الحلم هي إبنتها المسقبلية عبثا تطلق عليها إسما إذا لم تزين أذنها بكلمة ماما.
فائزة جوادي
من تونس
تعليقات
إرسال تعليق